الدجاج من وجبة صحية إلى خطر خفي
لطالما اعتُبر الدجاج خياراً صحياً أكثر من اللحوم الحمراء والمصنعة، نظراً لانخفاض محتواه من الدهون وغناه بالبروتين، الأمر الذي جعله مفضلاً لدى من يسعون إلى نظام غذائي متوازن. غير أن دراسة إيطالية جديدة أثارت القلق، بعد أن كشفت عن وجود علاقة مقلقة بين استهلاك كميات كبيرة من الدجاج وارتفاع معدل الوفاة، لا سيما بسبب سرطان الجهاز الهضمي.وفي عام 2015، صنّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية اللحوم الحمراء كمسبب "محتمل" للسرطان لدى البشر، بينما لم تُدرج الدواجن ضمن نفس الفئة. واستمرت التوصيات الغذائية في الولايات المتحدة بتصنيف الدجاج كخيار صحي، ونصحت بتناوله بكميات معتدلة لا تتجاوز ثلاث وجبات أسبوعياً، بما يعادل 100 غرام للوجبة الواحدة.ولكن دراسة حديثة قلبت الموازين، وهي دراسة أجراها باحثون من المعهد الوطني لأمراض الجهاز الهضمي في إيطاليا، إذ حللت بيانات ما يقارب 4869 شخصاً بالغاً، وتمت متابعتهم لمدة 19 عاماً. وخلال هذه الفترة، توفي 1028 شخصاً، وتبين أن المشاركين الذين تناولوا أكثر من 300 غرام من الدجاج أسبوعياً كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 27% لأي سبب، مقارنة بأولئك الذين تناولوا أقل من 100 غرام. كما تبين أن خطر الوفاة بسبب سرطان الجهاز الهضمي تحديداً ارتفع بمعدل 2.27 مرة لدى من تناولوا كميات كبيرة من الدجاج، بينما ارتفع هذا المعدل إلى 2.6 مرة عند الرجال مقارنة بالنساء.ويرجّح الباحثون أن طريقة طهي الدجاج تلعب دوراً في هذه النتائج، خاصة أن الطهي بدرجات حرارة مرتفعة مثل الشواء أو القلي قد يؤدي إلى تكوّن مركّبات مسرطنة تُعرف بالمواد المطَفِّرة. كما يُحتمل أن تكون المواد الكيميائية المستخدمة في تربية الدجاج، مثل المبيدات في الأعلاف أو الهرمونات والمضادات الحيوية، سبباً إضافياً في ارتفاع هذا الخطر.تشير أبحاث متعددة إلى أن طريقة طهي اللحوم، بما في ذلك الدواجن، تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الصحة. فعمليات الشواء على درجات حرارة عالية أو القلي العميق قد تؤدي إلى تكوّن مركّبات ضارة مثل "الأمينات الحلقية غير المتجانسة" (HCAs) و"الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات" (PAHs)، وهي مواد ثبت في تجارب معملية أنها قد تسبب طفرات جينية وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان. تظهر هذه المركبات بكميات أكبر عند احتراق الدهون أو طهي الدجاج لوقت طويل على حرارة مرتفعة، خصوصاً عندما يصبح الجلد أو اللحم محروقاً أو متفحماً. لذا، يُنصح بطهي الدجاج على حرارة معتدلة، وتجنب الأجزاء المتفحمة، مع استخدام طرق طهي أكثر أمانًا مثل السلق، الطبخ بالبخار، أو الخَبز في الفرن.وعلى الرغم من النتائج الصادمة، شدد الباحثون على أن الدراسة لا تدعو للتوقف التام عن تناول الدجاج، بل إلى الاعتدال في استهلاكه، واختيار المصادر العضوية إن أمكن، إضافة إلى تجنب طرق الطهي التي تعتمد على الحرارة العالية لفترات طويلة.